من كرم الله علينا أنه سبحانه ما خلقنا عبثا و أوجدنا في هذه الحياة الدنيا مُكرمين وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾الإسراء .
و تأتي الابتلاءات للإنسان لتكفير ذنوبه و رفع درجاته و صقل إيمانه لكن من كرم الله سبحانه أنه لا يضيع أجرا لصابر علي بلاء أو منتظراً فرجا بعد شدة فإن انتظار الفرج نوع من العبادة كما ذكر العلماء .
و لقد ذُكر الكرب في القرآن مفردا دون وصف له مرة واحدة في قوله تعالي : قُلِ اللَّـهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٦٤﴾الأنعام.
و جاء ذكر الكرب مقترنا بوصف العظيم أي"الكرب العظيم" في موضعين بالقرآن الكريم في قوله تعالي : وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾الصافات.
و قد جاءت الآية الأولي عقب قوله تعالي: قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾الأنعام.
ثم الآية التي بعد آية فك الكرب قوله تعالي قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴿٦٥﴾الأنعام.
إنها إشارة واضحة أن كاشف الهم و الكرب هو الله القادر سبحانه و تعالي. قال الحسن البصري في قوله : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴿٦٥﴾الأنعام. قال هذه للمشركين .
و قوله وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾الأنبياءإشارة نصرة الله لنبيه و رسوله نوح عليه السلام حين كذبه قومه فدعا ربه فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴿١٠﴾القمرفكان النجاة من الكرب الذي وصفه الحق سبحانه و تعالي : "بالكرب العظيم" و أهلك قومه الذين كفروا به و بالله عز وجل.
و قد جاء نقس الوصف في سورة الصافت خاصا بنوح و أهله أيضا وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾الأنبياء، بعد أن ذكر الله دعاء و نداء نوح لربه حين كذبه قومه وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴿٧٥﴾الصافات. إنه فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .
و لقد رُوي عن علي بن أبي طالب (ض)قوله : (سبع آيات من قرأها لم يحرم ما بعدها و عند الله المزيد):
الأولي :وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴿٨٧﴾ الأنبياء.ما قرأها مكروب إلا فرج الله عنه .
الثانية :وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٥﴾ الأحقاف.
الثالثة :الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴿١٧٣﴾الأنعام.
الرابعة :فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚوَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴿٤٤﴾غافر.
الخامسة :وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٧﴾الأنعام.
السادسة :فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴿٦﴾الشرح.
السابعة :مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾الفتح.
و قد روي أيضا عن جعفر الصادق (ض) أنه قال : من قرأ هذه السبع الآيات في يومه كفاه الله كل بلية و دفع عنه كل شكية و بلغه كل أمنية .
الأولي : قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴿٥١﴾التوبة.
الثانية : وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿١٧﴾الأنعام.
الثالثة : وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴿٦﴾ هود.
الرابعة : إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّـهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴿٥٦﴾هود.
الخامسة : وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴿٦٠﴾العنكبوت.
السادسة: مَّا يَفْتَحِ اللَّـهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴿٢﴾ فاطر.
السابعة : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴿٣٨﴾الزمر.
و قال الإمام الحسن البصري: عجباً لمكروب غفل عن خمس آيات من كتاب الله عز وجل وعلم فوائدها. قال تعالى :
• وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴿١٥٧﴾البقرة.
• فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿٤٤﴾فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴿٤٥﴾غافر.نهاية الحوار الرائع بين مؤمن آل فرعون وقومه.
• الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴿١٧٤﴾ آل عمران.
• وقال تعالى ليونس عليه السلام:وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾الأنبياء.
• وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴿٨٤﴾الأنبياء.
و روي عن الحسن قوله في تلك الآيات السابقة : من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد كشفها الله عنه لأنه قد وعد و حكم فيهن بما جعله لمن قالهن و حكمه لا يبطل و وعده لا يخلف .
و لقد روي عن عن علي بن هشام الكاتب قال :
سمعت أبا عبد الله الباقطائي ، يقول : سمعت عبيد الله بن سليمان ، يقول في وزارته : قال : لي أبي :كنت يوما في حبس محمد بن عبد الملك الزيات ، في خلافة الواثق ، آيس ما كنت من الفرج ، وأشد محنة وغما ، حتى وردت علي رقعة أخي الحسن بن وهب ، وفيها شعر له :
محن أبا أيوب أنت محلها
فإذا جزعت من الخطوب فمن لها
إن الذي عقد الذي انعقدت به عقد المكاره فيك يحسن حلها
فاصبر فإن الله يعقب فرجة ولعلها أن تنجلي ولعلها
وعسى تكون قريبة من حيث لا ترجو وتمحو عن جديدك ذلها
قال : فتفاءلت بذلك ، وقويت نفسي ، فكتبت إليه :
صبرتني ووعظتني وأنا لها
وستنجلي بل لا أقول لعلها
ويحلها من كان صاحب عقدها ثقة به إذ كان يملك حلها
قال : فلم أصل العتمة ذلك اليوم ، حتى أطلقت ، فصليتها في داري ، ولم يمض يومي ذاك ، حتى فرج الله عني ، وأطلقت من حبسي.
وروي أن هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق ، الرسالة والجواب ، فأمر بإطلاق سليمان ، وقال والله ، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج ، ولا سيما من خدمني ، فأطلقه على كره من ابن الجراح الزيات لذلك .
و لقد حدث للحسن البصري أيام الحجاج أمر جلل لكن الله يدافع عن الذين آمنوا فلقد دخل الحسن البصري على الحجاج واسط فرأى بناءه فقال:
" الحمد لله ان هؤلاء الملوك ليرون في أنفسهم عبرا، وانا لنرى فيهم عبرا، يعمد أحدهم إلى قصر فيشيده، وفرس فيتخذه ، وقد حف به ذباب طمع وفراش نار.
ثم يقول ألا فانظروا ما صنعت فقد رأينا يا عدو والله ما صنعت، فماذا يا أفسق الفاسقين، أما أهل السماء فمقتوك، وأما أهل الأرض فلعنوك، ثم خرج وهو يقول: إنما أخذ الله الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
فتغيظ الحجاج عليه غيظا شديدا وقال يا أهل الشام: هذا عبيد أهل البصرة، يدخل على فيشتمني في وجهي فلا يكون له مغير ولا نكير والله لأقتلنه، فمضى أهل الشام إلى الحسن فحملوه إلى الحجاج وعرف الحسن ما قاله، فكان طول طريقه يحرك شفتيه.فلما دخل وجد السيف
النطع بين يدي الحجاج وهو متغيظ، فلما رآه الحجاج كلمه بكلام غليظ فرفق به الحسن ووعظه، فأمر الحجاج بالسيف والنطع فرفعا ولم يزل الحسن يمر في كلامه حتى دعا الحجاج بالطعام فأكلا، وبالوضوء فتوضأ، وبالغالية فغلفه بيده وصرفه مكرما.
قال صالح بن مسمار: فقيل للحسن بم كنت تحرك شفتيك؟ قال قلت: يا غياثي عند دعوتي، ويا عدتي في ملتي، ويا ربى عند كربتي، ويا صاحبيفي شدتي، ويا ولي في نعمتي، ويا إلهي وإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق،ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى، ويا رب النبيين كلهم أجمعين، ويا رب كهيعص، وطه، وطس، ويس، ويا رب القرآن الكريم، صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وارزقني مودة عبدك الحجاج وخيره ومعروفه، واصرف عنى أذاه وشره ومكروهه ومعرته، قال صالح: فما دعونا بها في شدة إلا فرج عنا.
و هذا نبي الله يونس بعثه الله إلي أهل نينوي من أرض الموصل فدعاهم إلي عبادة الله وحده فكذبوه و تمردوا عليه و لم يؤمنوا به فلما طال عليه ما أمرهم غضب عليهم و خرج من بين أظهرهم و وعدهم بعذاب الله يلحق بهم بعد ثلاث. و ذهب يونس (ص) مغاضبا بسبب قومه و ركب سفينة في البحر و ذلك دون ان يأتيه الأمر من الله فاضطربت السفينة و ماجت و أوشكت علي الغرق بمن عليها و كان من عادة أهل هذا الزمان في تلك الحالة أن يقترعوا فمن وقعت عليه القرعة ألقي في البحر لأنه قد يكون عاصيا و لكي تخف حمولة السفينة و ينجو الباقون . فلما اقترعوا وقعت القرعة علي نبي الله يونس فلم يسمحوا به فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضا فلم يرضوا بأن يلقي في البحر و أعادوا الثالثة فوقعت عليه أيضا فعلم يونس أنه هو المقصود و أن الله أراد به أمرا فألقى بنفسه في البحر ، فلما ألقى يونس بنقسه في البحر أمر الله حوتا عظيما من البحر فالتقمه و أمره الله تعالي ألا يأكل له لحما و لا يهشم له عظاما فأخذه و طاف به البحار و قيل أنه ابتلع ذلك الحوت حوتا أكبر منه ، و لما استقر يونس في بطن الحوت و وجد نفسه سليما و سمع تسبيح الحيتان لله في البحر و رأي ما فيه من الكرب و الغم و الضيق و الضر و البلوي لهج لسانه بالتسبيح لله رب العالمين و أقر بذنبه و طلب العفو و المغفرة من الله فقال : لا أله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
قال تعالي : وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١٤٠﴾فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴿١٤١﴾فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٤٤﴾فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿١٤٨﴾ الصافات.
خرج ابن إسحاق والبزار وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " لما أراد الله حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه: ما هذا ! فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب الأرض فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة عليهم السلام تسبيحه فقالوا: ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غربة قال: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم عمل صالح ؟ قال: نعم فشفعوا له عند ذلك فأمره فقذفه في الساحل كما قال الله وهو سقيم.و هكذا نجا الله يونس من الغم و أمر الحوت أن يلقيه بالساحل و أنبت عليه شجرة من يقطين تظلله و تغذيه .
قال بعض العلماءفي إنبات القرع عليه حكم جمة؛ منها: أن ورقه في غاية النعومة، وكثير وظليل، ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نياً ومطبوخاً وبقشره وببزره أيضاً. وفيه نفع كثير، وتقوية للدماغ، وغير ذلك.
و أما عن دعاء يونس فقد قال عنه (ص) (اسم الله الذي إذا دعي به أجاب و إذا سئل به أعطي دعوة يونس بن متى).
سمعت سعد بن مالك -وهو ابن أبي وقاص - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: "دعوة يونس بن متى".
قال: فقلت يا رسول الله:هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟
قال: هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها. ألم تسمع قول الله تعالى:.. فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴿٨٨﴾فهو شرط من الله لمن دعاه به.
و يحكي عن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، كتب إلى صالح بن عبد الله المزني، عامله على المدينة، أن أنزل الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فاضربه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسمائة سوط، قال: فأخرجه صالح إلى المسجد، ليقرأ عليهم كتاب الوليد بن عبد الملك، ثم ينزل فيضرب الحسن، فبينما هو يقرأ الكتاب، إذ جاء علي بن الحسين عليهما السلام ، مبادراً يريد الحسن، فدخل والناس معه إلى المسجد، واجتمع الناس، حتى انتهى إلى الحسن فقال له: يا ابن عم، ادع بدعاء الكرب . فقال : وما هو يا ابن عم قال: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. قال: وانصرف علي، وأقبل الحسن يكررها دفعات كثيرة. فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل عن المنبر، قال للناس: أرى سحنة رجل مظلوم، أخروا أمره حتى أراجع أمير المؤمنين، وأكتب في أمره . ففعل ذلك ، ولم يزل يكاتب ، حتى أطلق . قال: وكان الناس يدعون ، ويكررون هذا الدعاء ، وحفظوه . قال: فما دعونا بهذا الدعاء في شدة إلا فرجها الله عنا بمنه .
و قصص الفرج بعد الشدة بفضل الله كثيرة لا تحصي و لكن لنا معها وقفات أخري بإذن الله